بمسحاته : أداة من أدوات الزراعة وهي المجرفة أو الفأس
نظرات وخواطر
1- الولي الفلاح يأكل من عمل يده:
نحن أمام ولي من أولياء الله الصالحين يتردد اسمه في السحاب وينادي به في السموات العلى ( اسق حديقة فلان ) بيده مسحاه يحول بها الماء ليروي أرضه يحمل آلة العمل يأخذ بالأسباب ويحسن التوكل علي الله وينقل فهم الإسلام من الصوامع والجوامع إلي الحقول والحدائق والمزارع
لا ينام ملء جفنيه ويأكل ملء ماضغيه ثم يكون عالة يسأل الناس أو متكاسلاً علي أريكته يضيع الأوقات ويتلذذ بالشهوات فتنتشر الآفات وتحترق الثمرات.
.. فالولي الفلاح يعمل في البكور ولا يضيق عند الحرور يغرس ويروي ويزرع ويحصد
.. مسبحته آلة الزراعة تعانق يده في حقله يحول بها الماء تارة ويبذر بها تارة ويحصد بها تارة أخري ويده التي تحملها يدٌ يحبها الله ورسوله قال صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلم يغرس غرسًا أو يزرع زرعًا؛ فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة) رواه مسلم
.. الفلاح الولي يسخر إمكانياته ويوظف طاقاته ويمنح قدراته لحقله وأرضه وحظيرته فالفقر الذي تعاني منه الأمة فقر مواهب وأخلاق قبل أن يكون فقر إمكانيات وأرزاق .
2- التوظيف الأمثل لمياه الري :
فهذا الولي صاحب عقلية تخطيطية ومهارة عملية فتراه علي رأس حقله يحمل مسحاته في استعدادِ دائم وتيقظ مستمر وجهازية متواصلة يتحين نزول الغيث وتدفق المياه مستخدماً الوسائل المتاحة (المسحاة) لتحويل المياه وتوزيعها دون إهدار أو تسريب أو إغراق فتأمل حسن التوظيف ودقة التخطيط وجمال التنفيذ ممزوجاً بالشكر العملي الدائم .
وهل يتكاسل الولي ويسوف حين تفتح له أبواب الخير بالهبات الإلهية والمنح الربانية " أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ " الواقعة 69 ورحم الله بن القيم "من فتح له باب خيرِ ثم تكاسل عنه عوقب بالحرمان منه ".
3- الفلاح الولي صاحب خطة محكمة وبرنامج مرتب ومستهدفات واضحة:
انه يقسم خراج أرضه إلي ثلاثة أقسام جزء يتصدق به وثان ينفق منه علي أهل بيته وثالث يرده إلي أرضه يستثمر ويطور
.. انه لا يعمل بطريقة عشوائية .. ولا يعول علي ضربات الحظ ولا يتعلل بقدر الله وقضائه فالمؤمن القوي هو قدر الله الغالب وقضاؤه الذي لا يرد فالفلاح الولي يجب أن يكون منظماً في شئونه نافعاً لغيره مسعداً لأهله .
4- لماذا يمتنع المطر ؟
الفلاح الولي الذي يتردد اسمه في الأفق الأعلى يدخر للآخرة ويستكمل بناء قصوره في الجنة ومن ثم لا يكتفي بالزكاة المفروضة بل يدعمها بالنوافل فيجعل من خراج أرضه ثلثاً للفقراء والمساكين وابن السبيل ينطلق مع الحديث الشريف ( وما تقرب إليَّ عبدي بشئ أحب إليَّ مما افترضته عليه ولا يزال العبد يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه ) رواه البخاري
ونوافل العبادة الحياتية واسعة متنوعة تتخطي مجرد الأداء إلي الإتقان وهواية الإبداع والابتكار فتصل إلي اعلي إنتاجية للمحاصيل الزراعية ناهيك عن إنتاج أروع الأصناف وألذ الثمار وحب الخير لوطنه وأبنائه شعاره الدائم ( والله انكِ لأحب بلاد الله إليَّ )
هذا فلاح يعيش في رحاب قول ابن عطاء الله السكندري رحمه الله ( كيف تخرق لك العوائد وأنت لم تخرق من نفسك العوائد )
.. هذا الولي الطاهر الحامل فأسه علي رأس حقله خرق شح نفسه وبرزت فيه جوانب السخاء وصفات الكرم والعطاء ليطهر الطبيعة البشرية القائمة علي الشح والإمساك فحق له أن تخرق له العوائد وتكتب له " الكرامة " وينادي باسمه في السحاب
وصدق رسول الله صلي الله عليه وسلم : " ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا "
أنه يرد علي المتسائلين لماذا يمتنع المطر وما سر أزمة المياه ؟؟
5- لا يضيع أهله :
كيف يكون ولياً مبشراً بالكرامات في الدنيا والآخرة ثم يضيع أهله ؟؟
.. الولي الفلاح يشمل برنامجه علي ثلث من خراج الأرض للإنفاق علي أهله وعياله وأمام ناظريه قول الرسول صلي الله عليه وسلم : " كفي بالمرء إثما أن يضيع من يعول "
وعديدٌ من كبار الزراع والصناع وأصحاب رؤوس الأموال يحسنون الكسب لكنهم يسيئون الإنفاق تتناثر أموالهم علي المحرمات والمخدرات فهم يحملون حافظة نقود مثقوبة سرعان ما يتساقط منها ما يربحون وليس الإنفاق إنفاقاً مالياً فحسب فبيت الفلاح الولي قبلة للخير بأنواعه المتعددة وفاقد الشئ لا يعطيه .
6- مبدع:
الولي الفلاح يرد ثلث خراج أرضه إليها فهو يطور زراعته وينمي إنتاجيته ويدخل التقنية الحديثة إلي حرفته .. يستكمل شراء الآلات الزراعية ويستوفي الخامات والتقاوي والأسمدة العضوية وينظم أجور العمالة المالية ( أعطوا الأجير حقه قبل أن يجف عرقه ) فيكيف يرزق حلالاً ويلجأ للربا الحرام ؟ وكيف يرزق بعرقه الغزير ويذوب رأسماله الوفير ؟
نعم .. الفلاح الولي لا يهجر أرضه ويقودها للتصحر والبوار ولا يستهلكها في الإنفاق علي ملذاته وشهواته ولا يستعجل الكسب السريع بالمحاصيل التي لا تسد جوعاً ولا تصد خضوعاً
انه صاحب خطة محكمة ومستهدفات محددة فكيف ينادي في السماء باسمه ويمحي من الأرض رسمه؟؟
7- من هم الأولياء ؟
الحديث رسالة من رسائل الهداية النبوية يرسم صورة الأولياء الحياتية وصفاتهم الإيمانية
فالأولياء ليسوا فقط من ترفع باسمهم الرايات وتقام لهم الاحتفالات وليسوا فقط من تعلق لهم الزينات وتوضع الشارات ولا يقتصر الأولياء علي أصحاب الملابس البيضاء أو القباب الخضراء .
لماذا ينظر البعض إلي الولي علي انه أكالاً لا شغالاً ! مستهلكاً لا منتجاً ! عبئاً علي الحياة لا عونا عليها !
.. إن الأولياء هم أصحاب الإحسان والإتقان والإبداع والتطوير والتنوير هم الذين يوقظون الملكات النائمة والحواس المخدرة ويطاردون الخمول والوهن والمواهب المشلولة والنماذج المعلولة
.. الأولياء هم أصحاب العقول البصيرة والأيدي القديرة هم المحسنون الذين قال عنهم رب العزة عزوجل : " بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ" البقرة 112
فالولي من أولياء الله الصالحين ومنهم هذا الفلاح موضع الحديث يدرك عظمة الانتساب لرب السماء والقرب منه والتوجه إليه فيسبح بحمد ربه دوماً شاكراً ذاكراً يحذر الآخرة ويرجوا رحمة ربه فيصنع الحضارة
ورحم الله المفكر الجزائري ( مالك بن نبي ) حين علق علي الحديث الشريف ( إِذا قَامَتْ السَّاعَةُ وَفي ِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ ،فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَلَا تقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا؛ فَلْيَغْرِسْها فَإِنْ له بها أجر ) فقال : من خشي اليوم الأخر فليصنع الحضارة ، فاليوم الأخر عند المسلمين يعني دعوة مفتوحة واقتراحات مطروحة ( اصنعوا الحضارة )
لقد وصفكم ربكم ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ) آل عمران 110
الولي المرشد .. الفلاح الذي نريده هو الذي يضع إجابة شافية للسؤال المتكرر !
هل تخلف العالم الثالث ونحن جزء منه مرض عضال مزمن لا شفاء منه وعلة أزلية أبدية لا دواء لها ؟
ألم يكن الأوربيون والأمريكيون وغيرهم يوماً أسوأ حالاً واقل مالاً تسيطر عليهم الخرافة وتغيب عنهم الخلافة فإذا صعدوا إلي سلم الترقي بقوا فيه أبد الآبدين ؟؟؟؟
ألم يقل فيها رسول الله صلي الله عليه وسلم " اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر "
أليس مما أُثر عن الخليفة الراشد الثالث علي بن أبي طالب رضي الله عنه " لو كان الفقر رجلا لقتلته "
8- خاتمة:
وتأمل ولياً آخر من أولياء الله الصالحين يسير بفلاة من الأرض فيسمع صوتاً ينادي في السحاب : اسق حديقة فلان فيتتبع ماء السحاب ويسير مع قنوات الري ليستوضح الأمر ويستضئ بهدي الفلاح الولي ويتأسي بأفعاله فإذا وصل إليه علم انه يزن الأمور ببصائر ربانية ومعايير إلهية ولا يقتصر علي المعايير المادية .
كأني به يخاطبنا بلسان ( ابن عجيبة ) رحمه الله " ليس شيخك من سمعت منه إنما شيخك من أخذت عنه وليس شيخك من واجهتك عبارته إنما شيخك من سرت فيك إشارته وليس شيخك من دعاك إلي الباب إنما شيخك من رفع بينك وبينه الحجاب وليس شيخك من واجهك مقاله إنما شيخك من نهض بك حاله "
.. إن وجود نماذج حية من هذا الصنف المبارك ترفع الركب إلي الجد ، بهم ينتبه الغافل وينتصح المفرط ويسرع المترهل ويلتحق المتخلف ويتحرك الفاتر ويمضي المتردد ويستحي المتقاعس ويستأنف المتوقف ويستأنس السائر ويرتدع المتجاوز ويتيقن المتشكك .
.. ما أحوج أمتنا إلي هؤلاء يرسمون لها طريق الحضارة ويصنعون بين أيديها عوامل التمكين وعناصر الترجيح في ميادين التدافع والصراع .
.. ما أحوج امتنا إلي الفلاح الولي والعامل التقي بمثله نُرزق النماء ويتحقق الاكتفاء ونأمن مكر الأعداء
فراشه الليل
النشاط المثالى
جهد مشكور عليه من اداره المنتدى
الدوله : الجنس : عدد المساهمات : 3836 الميلاد : 03/06/1975 15/05/2009 نقاط : 34167 العمر : 48 الابراج :
موضوع: رد: فلاح تنطق باسمه السماء 5/13/2010, 1:04 am